mardi 18 décembre 2012

تبليغ سورة البراءة

ومما أشار إليه شاعرنا المالكي من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حديث البراءة وتبليغها قال:
وأرسله عنه الرسول مبلغا * وخص بهذا الأمر تخصيص مفرد
وقال: هل التبليغ عني ينبغي * لمن ليس من بيتي من القوم؟ فاقتدي

وذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا بكر إلى مكة بآيات من صدر سورة البراءة ليقرأها على أهلها. فجاء جبرئيل من عند الله العزيز فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك. فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا على ناقته العضباء أو الجدعاء أثره فقال: أدركه فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه واذهب إلى أهل مكة فاقرأه عليهم فلحقه علي عليه السلام في العرج أو في ذي الخليفة أو في ضجنان أو الجحفة وأخذ الكتاب منه وحج وبلغ وأذن.
هذه الأثارة أخرجها كثير من أئمة الحديث وحفاظه بعدة طرق صحيحة يتأتى التواتر بأقل منها عند جمع من القوم، وإليك أمة ممن أخرجها:

1أبو محمد إسماعيل السدي الكوفي المتوفىالمتوفى128
2أبو محمد عبد الملك ابن هشام البصريالمتوفى218
3أبو عبد الله محمد بن سعد الزهريالمتوفى230
4الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة العبسي الكوفيالمتوفى235
5الحافظ أبو الحسن ابن أبي شيبة العبسي الكوفيالمتوفى239
6إمام الحنابلة أحمد بن حنبل الشيبانيالمتوفى241
7الحافظ أبو محمد عبد الله الدارمي صاحب السننالمتوفى255
8الحافظ أبو عبد الله بن ماجة القزويني صاحب السننالمتوفى273
9الحافظ أبو عيسى الترمذي صاحب الصحيحالمتوفى279
10الحافظ أبو بكر أحمد ابن أبي عاصم الشيبانيالمتوفى287


الصفحة 2
11الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد النسائي صاحب السننالمتوفى303
12الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبريالمتوفى310
13الحافظ أبو بكر محمد بن إسحاق ابن خزيمة النيسابوريالمتوفى311
14الحافظ أبو عوانة يعقوب النيسابوري صاحب المسندالمتوفى316
15الحافظ أبو القاسم عبد الله البغوي صاحب المصابيحالمتوفى317
16الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم التميميالمتوفى327
17الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان التميميالمتوفى354
18الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيالمتوفى360
19الحافظ أبو الشيخالمتوفى369
20الحافظ علي بن عمر الدار قطنيالمتوفى385
21الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب المستدركالمتوفى405
22الحافظ أبو بكر بن مردويه الاصبهانيالمتوفى416
23الحافظ أبو نعيم أحمد الاصبهاني صاحب الحليةالمتوفى430
24الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي صاحب السننالمتوفى458
25الفقيه أبو الحسن علي ابن المغازلي الشافعيالمتوفى483
26الحافظ أبو محمد الحسين البغوي الشافعيالمتوفى516
27الحافظ نجم الدين أبو حفص النسفي السمرقندي الحنفيالمتوفى537
28الحافظ أبو القاسم جار الله الزمخشري الشافعيالمتوفى538
29أبو عبد الله يحيى القرطبي صاحب التفسير الكبيرالمتوفى567
30الحافظ أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي الحنفيالمتوفى568
31الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي الشافعيالمتوفى571
32أبو القاسم عبد الرحمن الخثعمي السهيلي الأندلسيالمتوفى581
33أبو عبد الله محمد بن عمر الفخر الرازي الشافعيالمتوفى606
34أبو السعادات ابن الأثير الشيباني الشافعيالمتوفى606
35الحافظ أبو الحسن علي بن الأثير الشيبانيالمتوفى630

الصفحة 3
36أبو عبد الله ضياء الدين محمد المقدسي الحنبليالمتوفى643
37أبو سالم محمد بن طلحة القرشي النصيبي الشافعيالمتوفى652
38أبو المظفر يوسف سبط الحافظ ابن الجوزي الحنفيالمتوفى654
39عز الدين ابن أبي الحديد المعتزليالمتوفى655
40الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعيالمتوفى658
41القاضي ناصر الدين أبو الخير البيضاوي الشافعيالمتوفى685
42الحافظ أبو العباس محب الدين الطبري الشافعيالمتوفى694
43شيخ الاسلام أبو إسحاق إبراهيم الحمويالمتوفى722
44ولي الدين محمد الخطيب العمري التبريزي صاحب مشكاة المصابيحالمتوفى737
45علاء الدين علي بن محمد الخازن صاحب التفسيرالمتوفى741
46أثير الدين أبو حبان الأندلسي صاحب التفسيرالمتوفى745
47الحافظ شمس الدين محمد الذهبي الشافعيالمتوفى748
48نظام الدين الحسن النيسابوري صاحب التفسيرالمتوفى000
49الحافظ عماد الدين إسماعيل ابن كثير الدمشقي الشافعيالمتوفى774
50الحافظ أبو الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي الشافعيالمتوفى407
51تقي الدين أحمد بن علي المقريزي الحنفيالمتوفى745
52الحافظ أبو الفضل ابن حجر أحمد العسقلاني الشافعيالمتوفى752
53نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المكي المالكيالمتوفى855
54بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفيالمتوفى855
55شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي نزيل الحرمينالمتوفى902
56الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعيالمتوفى911
57الحافظ أبو العباس أحمد القسطلاني الشافعيالمتوفى923
58الحافظ أبو محمد عبد الرحمن ابن الديبع الشيباني الشافعيالمتوفى944
59المؤرخ الديار بكري صاحب تاريخ (الخميس)المتوفى82/966
60الحافظ شهاب الدين أحمد ابن حجر الهيثمي الشافعيالمتوفى974

الصفحة 4
61المتقي علي بن حسام الدين القرشي الهندي - نزيل مكة -المتوفى975
62الحافظ زين الدين عبد الرؤف المناوي الشافعيالمتوفى1031
63الفقيه شيخ بن عبد الله العيدروس الحسيني - اليمني -المتوفى1041
64الشيخ أحمد ابن باكثير المكي الشافعي صاحب الوسيلةالمتوفى1047
65أبو عبد الله محمد الزرقاني المصري المالكيالمتوفى1122
66ميرزا محمد البدخشي صاحب مفتاح النجاالمتوفى0000
67السيد محمد بن إسماعيل الصنعاني الحسينيالمتوفى1182
68أبو العرفان الشيخ محمد الصبان الشافعي صاحب الاسعافالمتوفى1206
69القاضي محمد بن علي الشوكاني الصنعانيالمتوفى1250
70أبو الثناء شهاب الدين السيد محمود الآلوسي الشافعيالمتوفى1270
71الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحسيني - الحنفي -المتوفى1293
72السيد أحمد زيني دحلان المكي الشافعيالمتوفى1304
73السيد مؤمن الشبلنجي مؤلف (نور الأبصار)المتوفى0000
أسلفنا ترجمة كثير من هؤلاء الأعلام في الجزء الأول ص 73 - 51 تنتهي أسانيدهم في مأثرة أذان البراءة وتبليغها إلى جمع من الصحابة الأولين منهم:
1 - علي أمير المؤمنين من طريق زيد بن يثيع قال رضي الله عنه: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر رضي الله عنه ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم. فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر رضي الله عنه فقال:
يا رسول الله! نزل في شئ؟ قال: لا. ولكن جبريل جاءني فقال: لا. فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والحافظ أبو الشيخ، وابن مردويه، وحكاه عنهم السيوطي في الدر المنثور 3 ص 209، وكنز العمال 1 ص 247، والشوكاني في تفسيره 2 ص 319، ويوجد في الرياض النضرة 2 ص 147، وذخاير العقبى 69، وتاريخ ابن كثير 5 ص 38، وفي ج 7 ص 357، وفي تفسيره 2 ص 333، ومناقب الخوارزمي ص

الصفحة 5
99، وفرائد السمطين للحمويي، ومجمع الزوائد 7 ص 29، وشرح صحيح البخاري للعيني 8 ص 637، ووسيلة المآل لابن باكثير، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3 ص 91، وتفسير المنار 10 ص 157.

صورة أخرى عن زيد:
قال: نزلت براءة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ثم أرسل عليا فأخذها منه فلما رجع أبو بكر قال: هل نزل في شئ؟ قال: لا. ولكني أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي. فانطلق علي إلى مكة فقام فيهم بأربع. تفسير الطبري 10 ص 46، تفسير ابن كثير 2 ص 333.
صورة ثالثة عن زيد:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر ثم اتبعه بعلي فقال له: خذ الكتاب فامض إلى أهل مكة قال: فلحقه فأخذ الكتاب منه فانصرف أبو بكر وهو كئيب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل في شئ؟ قال: لا. إلا إني أمرت أن أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي. خصائص النسائي ص 2، الأموال لأبي عبيد ص 165.
صورة رابعة:
عن علي أمير المؤمنين من طريق حنش باللفظ الأول المذكور من ألفاظ زيد ابن يثيع حرفيا. أخرجه أحمد في مسنده 1 ص 151، والكنجي في الكفاية ص 126 نقلا عن أحمد وابن عساكر، والهيثمي في مجمع الزوائد 7 ص 29.
صورة خامسة عن حنش عن أمير المؤمنين:
قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه ببراءة فقال: يا نبي الله إني لست باللسن ولا بالخطيب، قال: ما بد أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت قال: فإن كان ولا بد فسأذهب أنا، قال: فانطلق فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك.
قال: ثم وضع يده على فمه.
مسند أحمد 1 ص 150، الرياض النضرة 2 ص 174، تفسير ابن كثير 2 ص 333 الدر المنثور 3 ص 210 نقلا عن أبي الشيخ، كنز العمال 1 ص 247.
صورة سادسة عن أبي صالح عن أمير المؤمنين:
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ببراءة إلى أهل مكة وبعثه على الموسم ثم

الصفحة 6
بعثني في أثره فأدركته فأخذتها منه فقال أبو بكر: مالي؟ قال: خير أنت صاحبي في الغار، وصاحبي على الحوض، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني.

أخرجه الطبري كما في فتح الباري لابن حجر العسقلاني 8 ص 256.
2 - أبو بكر بن أبي قحافة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ببراءة إلى أهل مكة لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله إلى مدته والله برئ من المشركين ورسوله، فسار ثلاثا ثم قال لعلي: ألحقه فرد علي أبا بكر وبلغها أنت. قال: ففعل فلما قدم على النبي أبو بكر بكى فقال: يا رسول الله حدث في شيئ؟ قال: ما حدث فيك إلا خير ولكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل مني.
أخرجه أحمد في مسنده 1 ص 3، وابن خزيمة، وأبو عوانة، والدار قطني في الأفراد كما في كنز العمال 1 ص 246، والكنجي في الكفاية ص 125 نقلا عن أحمد و أبي نعيم وابن عساكر، وابن كثير في تاريخه 7 ص 357.
3 - ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره أن ينادي بهذه الكلمات ثم أتبعه عليا فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغا ناقة رسول الله القصواء فخرج أبو بكر فزعا فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو علي رضي الله عنه فدفع إليه كتاب رسول الله وأمر عليا أن ينادي بهؤلاء الكلمات (فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهلي ثم اتفقا) (1) فانطلقا فقام علي أيام التشريق ينادي: ذمة الله ورسوله برية عن كل مشرك. الحديث.
أخرجه الترمذي في جامعه 2 ص 135، والبيهقي في سننه 9: 224، و الخوارزمي في المناقب ص 99، وابن طلحة في مطالب السئول ص 17، والشوكاني في تفسيره 2 ص 319 نقلا عن الترمذي وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي بلفظ أخصر، وأشار إليه ابن حجر في فتح الباري 8 ص 256.
صورة أخرى من لفظ ابن عباس:
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ببراءة ثم أتبعه عليا فأخذها منه فقال
____________
(1) لا يوجد ما بين القوسين في بعض المصادر.

الصفحة 7
أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله حدث في شيئ؟ قال: لا. أنت صاحبي في الغار وعلى الحوض، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي. الحديث.

أخرجه الطبري في تفسيره ج 10 ص 46.
حديث آخر عن ابن عباس:
قال في حديث طويل عد فيه جملة من فضايل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مما تسالمت الأمة عليه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه وقال:
لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه.
وحديث ابن عباس هذا أخرجه كثيرون من أئمة الحديث وحفاظه في المسانيد بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات مصرحين بصحته وثقة رجاله، أسلفناه في الجزء الأول ص 49 - 51 ومر الكلام حوله في الجزء الثالث ص 195 - 217.
حديث آخر عن ابن عباس:
أخرج ابن عساكر بإسناده من طريق الحافظ عبد الرزاق عن ابن عباس قال:
مشيت وعمر بن الخطاب في بعض أزقة المدينة فقال: يا بن عباس أظن القوم استصغروا صاحبكم إذ لم يولوه أموركم. فقلت: والله ما استصغره رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اختاره لسورة براءة يقرأها على أهل مكة. فقال لي: الصواب تقول والله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
لعلي بن أبي طالب: من أحبك أحبني، ومن أحبني أحب الله، ومن أحب الله أدخله الجنة مدلا. كنز العمال 6 ص 391، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 105 ذكره إلى قوله " فقال لي ".
4 - جابر بن عبد الله الأنصاري: إن النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح فلما استوى للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره فوقف عن التكبير فقال: هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلي معه فإذا علي رضي الله عنه عليها فقال له أبو بكر: أمير أم رسول؟ قال: لا بل رسول أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرؤها على الناس في مواقف الحج. فقدمنا مكة فلما كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس حتى ختمها ثم خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم

الصفحة 8
عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام علي رضي الله عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها فلما كان النفر الأول قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون أو كيف يرمون فعلمهم مناسكهم فلما فرغ قام علي رضي الله عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها.

أخرجه الدارمي في سننه 2 ص 67، والنسائي في الخصايص ص 20، وابن خزيمة وصححه، وابن حبان من طريق ابن جريج، والطبري، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة 2 ص 173 من طريق أبي حاتم والنسائي. ويوجد في تيسير الوصول 1 ص 133، تفسير القرطبي 8 ص 67، المواهب اللدنية للقسطلاني، شرح المواهب للزرقاني 3 ص 91، تاريخ الخميس 2 ص 141، سيرة زيني دحلان 2 ص 365، تفسير الآلوسي روح المعاني 3 ص 268، تفسير المنار 10 ص 156 نقلا عن الحفاظ الخمسة المذكورين من الدارمي إلى محب الدين الطبري.
5 - أنس بن مالك قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة ثم دعاه فقال: لا ينبغي أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي، فدعى عليا فأعطاه إياها.
وفي لفظ آخر لأحمد:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه فلما بلغ ذا الحليفة قال: لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي فبعث بها مع علي.
طرق الحديث صحيحة رجاله كلهم ثقات أخرجه في مسنده 3: 212، 283، والترمذي في جامعه 2: 135 ط الهند، والنسائي في خصائصه ص 20، وابن كثير في تاريخه 5: 38 عن الترمذي وأحمد، وفي تفسيره 2: 333، والخوارزمي في المناقب ص 99، والقسطلاني في شرح صحيح البخاري 7: 136، وابن حجر في شرح الصحيح 8 ص 256، والعيني في شرح الصحيح 8: 637. وابن طلحة في مطالب السؤول ص 17 والسيوطي في الدر المنثور 3 ص 209 نقلا عن ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وأبي الشيخ وابن مردويه، وفي كنز العمال 1 ص 249 عن ابن أبي شيبة، والزرقاني في شرح المواهب 3:
91، والشوكاني في تفسيره 2: 319 نقلا عمن نقل عنه السيوطي في الدر المنثور، والآلوسي في تفسيره 3: 268 نقلا عن أحمد والترمذي وأبي الشيخ، وصاحب المنار في تفسيره 10، 157.


الصفحة 9
6 - أبو سعيد الخدري قال: بعث رسول الله أبا بكر رضي الله عنه يؤدي عنه براءة فلما أرسله بعث إلى علي رضي الله عنه فقال: يا علي إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو أنت فحمله على ناقته العضباء فسار حتى لحق بأبي بكر رضي الله عنه فأخذ منه براءة فأتى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخله من ذلك مخافة أن يكون قد أنزل فيه شئ فلما أتاه قال:

مالي يا رسول الله؟ قال: خير أنت أخي وصاحبي في الغار وأنت معي على الحوض غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني.
أخرجه ابن حبان وابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي 3: 209، وروح المعاني للآلوسي 3: 268 وفي طبع المنيرية 10 ص 40، وأوعز إليه ابن حجر في فتح الباري 8: 256 من طريق عمرو بن عطية عن أبيه عن أبي سعيد.
أبو رافع قال رضي الله عنه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه ببراءة إلى الموسم فأتى جبريل عليه السلام فقال: إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك فبعث عليا رضي الله عنه على أثره حتى لحقه بين مكة والمدينة فأخذها فقرأها على الناس في الموسم.
أخرجه ابن مردويه والطبراني بإسنادهما كما في الدر المنثور للسيوطي 3: 210، وفتح الباري لابن حجر 8 ص 256.
8 - سعد بن أبي وقاص قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليا رضي الله عنه فأخذها منه ثم سار بها فوجد أبو بكر في نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني.
خصايص النسائي ص 20، الدر المنثور 3: 209 نقلا عن ابن مردويه، تفسير الشوكاني 2: 319، وأوعز إليه ابن حجر في فتح الباري 8: 255.
حديث آخر عن سعد:
أخرج ابن عساكر بإسناده عن الحرث بن مالك قال: أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: لقد شهدت له أربعا لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا أعمر فيها مثل عمر نوح: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش فسار بها يوما وليلة ثم قال لعلي: اتبع أبا بكر فخذها وبلغها فرد علي أبا بكر فرجع يبكي فقال: يا رسول الله أنزل في شيئ؟ قال: لا. إلا خيرا إنه ليس

الصفحة 10
يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني، أو قال: من أهل بيتي. الحديث. راجع الجزء الأول ص 40.

9 - أبو هريرة قال: كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى بأربع حتى صهل صوته. الحديث.
أخرجه الدارمي في سننه 2: 237، والنسائي في سننه 5: 234 مع اختصار غير مخل كما قاله السيوطي في شرحه، وحديث أبي هريرة أخرجه كثير من الحفاظ غير أنه لعبت به أيدي الهوى، ومهدت لرماة القول على عواهنه مجال الترة والدجل حول هذه الأثارة الكريمة.
وأخرج الحافظ محب الدين الطبري في الرياض النضرة 2 ص 173، وذخاير العقبى ص 69 من طريق أبي حاتم عن أبي سعيد أو أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فلما بلغ ضجنان سمع بغام ناقة علي فعرفه فأتاه فقال: ما شأني؟ قال: خير إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني براءة. فلما رجعنا انطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله مالي؟ قال: خير أنت صاحبي في الغار غير أنه لا يبلغ غيري أو رجل مني يعني عليا.
10 - عبد الله بن عمر، ذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 8: 256 ما مر عن أمير المؤمنين عليه السلام من طريق أبي صالح ثم قال: ومن طريق العمري عن نافع عن ابن عمر كذلك.
11 - حبشي بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني وأنا منه لا يؤدي عني إلا أنا أو علي.
حديث صحيح رجاله كلهم ثقات أخرجه بطرق أربعة أحمد بن حنبل في مسنده 4 ص 164، 165، والترمذي في صحيحه 2 ص 213 وصححه وحسنه، والنسائي في الخصائص ص 20، وابن ماجة في السنن 1 ص 57، والبغوي في المصابيح 2 ص 275، والخطيب العمري في المشكاة ص 556، والفقيه ابن المغازلي في المناقب، والكنجي في الكفاية ص 557، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات، والمحب الطبري في الرياض 2 ص 74، عن الحافظ السلفي، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ص 23، والذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة سويد بن سعيد، وابن كثير في تاريخه

الصفحة 11
7 ص 356، والسخاوي في المقاصد الحسنة، والمناوي في كنوز الدقايق ص 92 والحمويني في الباب السابع من فرائد السمطين، وجلال الدين السيوطي في الجامع الصغير، وفي جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 153، وذكره ابن حجر في الصواعق ص 73، والمتقي الهندي في كنز العمال عن أحد عشر حافظا، والبدخشاني في نزل الأبرار ص 9 نقلا عن ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجة، والترمذي، والبغوي، وابن أبي عاصم، والنسائي، وابن قانع، والطبراني، والضياء المقدسي، والجارودي، والفقيه شيخ بن العيدروس في العقد النبوي، والأمير محمد الصنعاني في الروضة الندية، والقندوزي في ينابيع المودة، والشبلنجي في نور الأبصار ص 78، والصبان في الاسعاف هامش نور الأبصار ص 155.

قال الأميني: هذه الجملة المروية من حبشي بن جنادة. وعمران. وأبي ذر الغفاري مأخوذة من حديث التبليغ وهي شطره كما نص عليه صاحب اللمعات والمرقاة والسندي الحنفي في شرح سنن ابن ماجة 1 ص 57 وقالوا: قال صلى الله عليه وسلم هذا تكريما لعلي واعتذارا إلى أبي بكر رضي الله عنهما.
12 - عمران بن حصين في حديث مرفوعا: علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا علي، أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب كذا في التذكرة السبط ص 22.
13 - أبو ذر الغفاري مرفوعا: علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي إلا أنا أو علي.
مطالب السؤول ص 18.
المراسيل
1 - عن أبي جعفر محمد بن علي (الإمام الباقر عليه السلام) قال: لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم للناس الحج قيل له: يا رسول الله! لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال له: أخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى: إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته، فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء

الصفحة 12
حتى أدرك أبا بكر بالطريق، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال: أمير أو مأمور؟ فقال:

بل مأمور. ثم مضيا فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث.
سيرة ابن هشام 4: 203، تفسير الطبري 10: 47، تفسير الكشاف 2 ص 23، تفسير ابن كثير 2 ص 334، تاريخ ابن كثير 5: 37، عمدة القاري 4 ص 633.
2 - روي أن أبا بكر لما كان ببعض الطريق هبط جبريل عليه السلام وقال: يا محمد لا تبلغن رسالتك إلا رجل منك فأرسل عليا، فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله أشيئ نزل من السماء؟ قال: نعم فسر وأنت على الموسم وعلي ينادي بالآي.
الحديث. ذكره نظام الدين النيسابوري في تفسيره المطبوع في هامش تفسير الطبري ج 10: 36.
3 - عن السدي قال: لما نزلت هذه الآيات إلى رأس أربعين آية بعث بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وأمره على الحج فلما سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة أتبعه بعلي فأخذها منه فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! بأبي أنت و أمي أنزل في شأني شيئ؟ قال: لا. ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل مني، أما ترضى يا أبا بكر إنك كنت معي في الغار وأنك صاحبي على الحوض؟ قال: بلى يا رسول الله. فسار أبو بكر على الحاج وعلي يؤذن ببراءة. الحديث.
تفسير الطبري 10: 47، تاريخ الطبري 3: 154.
4 - قال البغوي المفسر في تفسيره - هامش تفسير الخازن - 3. 49: لما كان سنة تسع وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحج ثم قال: إنه يحضر المشركون فيطوفون عراة فبعث أبا بكر تلك السنة أميرا على الموسم ليقيم للناس الحج وبعث معه أربعين آية من صدر براءة ليقرأ ها على أهل الموسم ثم بعث بعده عليا كرم الله وجهه على ناقته العضباء ليقرأ على الناس صدر براءة وأمره أن يؤذن بمكة ومنى وعرفة: أن قد برئت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شيئ؟ قال: لا. ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي أما

الصفحة 13
ترضى يا أبا بكر! إنك كنت معي في الغار، وإنك صاحبي على الحوض؟ قال: بلى يا رسول الله. فسار أبو بكر رضي الله عنه أميرا على الحاج وعلي رضي الله عنه ليؤذن ببراءة. الحديث.

وتجده مرسلا إرسال المسلم بلفظ موجز أو مفصل في طبقات ابن سعد ص 685 ، تفسير أبي حيان 5: 6، تفسير الكشاف 3: 23، تفسير الخازن 2: 213، تفسير البيضاوي 1: 488، تفسير النسفي هامش الخازن 2: 212، تفسير النيسابوري هامش الطبري 10: 36، تذكرة السبط ص 22، إمتاع المقريزي ص 499، الروض الأنف 2: 328، كامل ابن الأثير 2: 121، تفسير الرازي 4: 408، شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 260، شرح المواهب للزرقاني 3: 91، الإصابة لابن حجر 2: 509، تاريخ الخميس 2: 41، الصواعق ص 19. السيرة النبوية لزيني دحلان 2: 364.
وينبأ عن إطباق الصحابة الأولين على هذه المأثرة لأمير المؤمنين استنشاده عليه السلام بها أصحاب الشورى يوم ذاك بقوله: أفيكم من اؤتمن على سورة براءة وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني، غيري؟ قالوا: لا.
وقد أسلفنا حديث المناشدة يوم الشورى في الجزء الأول ص 159 - 163 وأن هذه الجملة المذكورة عدها ابن أبي الحديد من الصحيح ومما استفاض في الروايات من المناشدة يوم الشورى.
المتخلص من سرد هذه الأحاديث هو تواتر معنوي أو إجمالي لوقوع أصل القصة من استرداد الآي من أبي بكر وتشريف أمير المؤمنين عليه السلام بتبليغها ونزول الوحي المبين بأنه لا يبلغ عنه صلى الله عليه وآله وسلم إلا هو أو رجل منه، ولا يجب علينا البخوع لبعض الخصوصيات التي تفرد به بعض الطرق والمتون فإنها لا تعدو أن تكون آحادا، وفي القصة إيعاز إلى أن من لا يستصلحه الوحي المبين لتبليغ عدة آيات من الكتاب كيف يأتمنه على التعليم بالدين كله، وتبليغ الأحكام والمصالح كلها؟.

الفرزدق وجرير وآل البيت
نظم في معظم فنون الشعر المعروفة في عصره وكان يكثر الفخر يليه في ذلك الهجاء ثم المديح، مدح الخلفاء الأمويين بالشام، و آل البيت. كان معاصرا لأخطل لجرير الشاعر أيضا، وكانت بينهما صداقة حميمة، إلا أن النقائض بينهما أوهمت البعض أن بينهم تحاسدا وكرها، وانشعب الناس في أمرهما شعبتين لكل شاعر منهما فريق، لجرير في الفرزدق رثاء جميل.
كانت للفرزدق مواقف محمودة في الذود عن آل البيت. وكان ينشد بين أيدي الخلفاء قاعدا. وجاء في كتاب الموجز في الشعر العربي للشاعرالعراقي فالح الحجية الكيلاني انه لقب بالفرزدق لجهامة ووجوم في وجهه يكاد لايفارقه مدح قومه وفخر بهم ويتميز شعره بقوة الأسلوب والجودة الشعرية وقد ادخل في الشعرالعربي الكثير من الالفاظ الغريبة وبرع في المدح والفخر والهجاء والوصف) يقول أهل اللغة:
   
لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث العربية
   
كان مقدما في الشعراء، وصريحا جريء، يتجلى ذلك عندما يعود له الفضل في أحياء الكثير من الكلمات العربية التي اندثرت. من قوله:
إذا مت فابكيني بما أنا أهله
فكل جميل قلته فيّ يصدق
وكم قائل مات الفرزدق والندى
وقائلة مات الندى والفرزدق

قدم هشام بن عبد الملك للحج برفقة حاشيته وقد كان معهم الشاعر العربي الفرزدق وكان البيت الحرام مكتظاً بالحجيج في تلك السنه ولم يفسح له المجال للطواف فجلب له متكأ ينتظر دوره وعندما قدم الامام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب انشقت له صفوف الناس حتى ادرك الحجر الاسود فثارت حفيظة هشام واغاضه ما فعلته الحجيج لعلي بن الحسين فسئل هشام بن عبد الملك من هَذا؟
فأجابه الشاعر العربي الفرزدق هذه القصيدة وهي من اروع ماقاله الفرزدق:
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ
وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ
هذاالتّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ
بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه
العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا
يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ
حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ
لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانْقَشَعَتْ
عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ
إذا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها
إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى من مَهابَتِه
فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ
من كَفّ أرْوَعَ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ
رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ
الله شَرّفَهُ قِدْماً، وَعَظّمَهُ جَرَى
بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ
أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ
لأوّلِيّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ
مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا
فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ
عَنها الأكفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ
مَنْ جَدُّهُ دان فضْلُ الآنْبِياءِ لَهُ
وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ
طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ
كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ
كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ
في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ
أوْ قيل: من خيرُ أهل الأرْض؟ قيل: هم
لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ
وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا
هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ
وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ
لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ
سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ
وَيُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ

lundi 17 décembre 2012


أنت منّي بمنزلة هارون من موسى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.
موضوع بحثنا الليلة حديث المنزلة، قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)لامير المؤمنين (عليه السلام): «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى»، وقوله في بعض الالفاظ: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»، أو «علي منّي بمنزلة هارون من موسى».
يمتاز هذا الحديث عن كثير من الاحاديث في أنّه حديث أخرجه البخاري ومسلم أيضاً، إلى جنب سائر المحدّثين الذين أخرجوا هذا الحديث الشريف، وهو حديث اتّفق عليه الشيخان باصطلاحهم.

الصفحة 8
ومن جهة أُخرى يستدلّ بهذا الحديث على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) من جهات عديدة، لوجود دلالات متعدّدة في هذا الحديث.
لذلك اهتمّ بهذا الحديث علماؤنا منذ قديم الايام، كما اهتمّ به الاخرون أيضاً في مجال رواية هذا الحديث بأسانيدهم، وفي مجال الجواب عن هذا الحديث بطرقهم المختلفة.

الصفحة 9
رواة حديث المنزلة
قبل كلّ شيء نذكر أسامي عدة من الصحابة الرواة لهذا الحديث، وأسماء أشهر مشاهير الرواة له، من محدّثين ومفسّرين ومؤرخين في القرون المختلفة.
على رأس الرواة لهذا الحديث من الصحابة:
1 ـ أمير المؤمنين (عليه السلام).
ويرويه أيضاً:
2 ـ عبدالله بن العباس.
3 ـ جابر بن عبدالله الانصاري.
4 ـ عبدالله بن مسعود.
5 ـ سعد بن أبي وقّاص.
6 ـ عمر بن الخطّاب.
7 ـ أبو سعيد الخدري.

الصفحة 10
8 ـ البراء بن عازب.
9 ـ جابر بن سمرة.
10 ـ أبو هريرة.
11 ـ مالك بن الحويرث.
12 ـ زيد بن أرقم.
13 ـ أبو رافع.
14 ـ حذيفة بن أسيد.
15 ـ أنس بن مالك.
16 ـ عبدالله بن أبي أوفى.
17 ـ أبو أيّوب الانصاري.
18 ـ عقيل بن أبي طالب.
19 ـ حُبشي بن جنادة.
20 ـ معاوية بن أبي سفيان.
ومن جملة رواة هذا الحديث من الصحابيات:
1 ـ أُم سلمة أُمّ المؤمنين رضي الله عنها.
2 ـ أسماء بنت عميس.
رواة هذا الحديث من الصحابة أكثر من ثلاثين، وربّما يبلغون الاربعين رجل وامرأة.

الصفحة 11
يقول ابن عبد البر في الاستيعاب عن هذا الحديث: هو من أثبت الاخبار وأصحّها.
قال: وطرق حديث سعد بن أبي وقاص كثيرة جدّاً.
فذكر عدّة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث، ثمّ قال: وجماعة يطول ذكرهم(1) .
وهكذا ترون المزي يقول بترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) في تهذيب الكمال(2) .
وذكر الحافظ ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق كثيراً من طرق هذا الحديث وأسانيده من عشرين من الصحابة تقريباً(3) .
ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري بعد أن يذكر أسامي عدّة من الصحابة، ويروي نصوص روايات جمع منهم يقول: وقد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي(4) .
فهذا الحديث مضافاً إلى أنّه متواتر عند أصحابنا من الاماميّة،
____________
(1) الاستيعاب 3/1097 ـ دار الجيل ـ بيروت ـ 1412 هـ.
(2) تهذيب الكمال 2/483 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1413 هـ.
(3) انظر ترجمة الامام علي (عليه السلام) 1/306 ـ 393.
(4) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7/60 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

الصفحة 12
من الاحاديث الصحيحة المعروفة المشهورة عند أهل السنّة، بل هو من الاحاديث المتواترة عندهم كذلك.
يقول الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حدّ التواتر(1) .
كما أنّ الحافظ السيوطي أورد هذا الحديث في كتابه الازهار المتناثرة في الاخبار المتواترة(2) ، وتبعه الشيخ علي المتقي في كتابه قطف الازهار المتناثرة في الاخبار المتواترة.
وممّن اعترف بتواتر هذا الحديث شاه ولي الله الدهلوي محدّث الهند في كتابه إزالة الخفاء في سيرة الخلفاء.
ولنذكر أسماء عدة من أشهر مشاهير القوم الرواة لهذا الحديث في القرون المختلفة، منهم:
1 ـ محمّد بن إسحاق، صاحب السيرة.
2 ـ سليمان بن داود الطيالسي أبو داود الطيالسي، في مسنده.
3 ـ محمّد بن سعد، صاحب الطبقات.
4 ـ أبو بكر ابن أبي شيبة، صاحب المصنف.
5 ـ أحمد بن حنبل، صاحب المسند.
____________
(1) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للحافظ الكنجي: 283.
(2) الازهار المتناثرة في الاحاديث المتواترة: حرف الالف.

الصفحة 13
6 ـ البخاري، في صحيحه.
7 ـ مسلم، في صحيحه.
8 ـ ابن ماجة، في صحيحه.
9 ـ أبو حاتم بن حبّان، في صحيحه.
10 ـ الترمذي، في صحيحه.
11 ـ عبدالله بن أحمد بن حنبل، هذا الامام الكبير الذي ربّما يقدّمه بعضهم على والده، يروي هذا الحديث في زيادات مسند أحمد وزيادات مناقب أحمد.
12 ـ أبو بكر البزّار، صاحب المسند.
13 ـ النسائي، صاحب الصحيح.
14 ـ أبو يعلى الموصلي، صاحب المسند.
15 ـ محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير.
16 ـ أبو عوانة، صاحب الصحيح.
17 ـ أبو الشيخ الاصفهاني، صاحب طبقات المحدثين.
18 ـ أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة.
19 ـ أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك على الصحيحين.
20 ـ أبو بكر الشيرازي، صاحب كتاب الالقاب.

الصفحة 14
21 ـ أبو بكر بن مردويه الاصفهاني، صاحب التفسير.
22 ـ أبو نعيم الاصفهاني، صاحب حلية الاولياء.
23 ـ أبو القاسم التنوخي، له كتاب في طرق أحاديث المنزلة.
24 ـ أبو بكر الخطيب، صاحب تاريخ بغداد.
25 ـ ابن عبد البر، صاحب الاستيعاب.
26 ـ البغوي، الملقّب عندهم بمحي السنّة، صاحب مصابيح السنّة.
27 ـ رزين العبدري، صاحب الجمع بين الصّحاح.
28 ـ ابن عساكر، صاحب تاريخ دمشق.
29 ـ الفخر الرازي، صاحب التفسير الكبير.
30 ـ ابن الاثير الجزري، صاحب جامع الاُصول.
31 ـ أخوه ابن الاثير، صاحب أُسد الغابة.
32 ـ ابن النجّار البغدادي، صاحب تاريخ بغداد.
33 ـ النووي، صاحب شرح صحيح مسلم.
34 ـ أبو العباس محب الدين الطبري، صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة.
35 ـ ابن سيّد الناس، في سيرته.
36 ـ ابن قيّم الجوزية، في سيرته.

الصفحة 15
37 ـ اليافعي، صاحب مرآة الجنان.
38 ـ ابن كثير الدمشقي، صاحب التاريخ والتفسير.
39 ـ الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح.
40 ـ جمال الدين المزّي، صاحب تهذيب الكمال.
41 ـ ابن الشحنة، صاحب التاريخ المعروف.
42 ـ زين الدين العراقي المحدّث المعروف، صاحب المؤلفات، صاحب الالفية في علوم الحديث.
43 ـ ابن حجر العسقلاني، صاحب المؤلفات.
44 ـ السيوطي، صاحب المؤلفات كالدر المنثور وغيره.
45 ـ الدياربكري، صاحب تاريخ الخميس.
46 ـ ابن حجر المكّي، صاحب الصواعق المحرقة.
47 ـ المتقي الهندي، صاحب كنز العمّال.
48 ـ المناوي، صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصغير.
49 ـ ولي الله الدهلوي، صاحب المؤلفات ككتاب حجة الله البالغة وإزالة الخفاء.
50 ـ أحمد زيني دحلان، صاحب السيرة الدحلانيّة.
وغير هؤلاء من المحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين من مختلف القرون والطبقات.

الصفحة 16

الصفحة 17
نصّ حديث المنزلة وتصحيحه
أمّا نصّ الحديث في صحيح البخاري: حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة، عن سعد قال: سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه [ أي سعد بن أبي وقّاص ] قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لعلي: «أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى»(1) .
قال: وحدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى، عن شعبة، عن الحكم، عن مصعب ـ مصعب بن سعد بن أبي وقّاص ـ عن أبيه: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج إلى تبوك فاستخلف عليّاً فقال: أتكلّفني بالصبيان والنساء ؟ قال: «ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس بعدي نبي»(2) .
وأمّا لفظ مسلم، فإنّه يروي هذا الحديث بأسانيد عديدة لا
____________
(1) صحيح البخاري 5/24 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(2) صحيح البخاري 6/3.

الصفحة 18
بسند وسندين:
منها: ما يرويه بسنده عن سعيد بن المسيّب، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعلي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي».
قال سعيد: فأحببت أنْ أُشافه بها سعداً، فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثني به عامر فقال: أنا سمعته، قلت: أنت سمعته ؟ قال: فوضع إصبعيه على أُذنيه فقال: نعم، وإلاّ أُستكّتا(1) .
في هذا الحديث، وفي هذا اللفظ نكت يجب الالتفات إليها.
وبسند آخر في صحيح مسلم: عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أنْ تسبّ أبا التراب ؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله فلن أسبّه.... فذكر الخصال الثلاث ومنها حديث المنزلة(2) .
فهذا حديث المنزلة في الصحيحين، وأنتم تعلمون بأنّ المشهور بينهم قطعيّة أحاديث الصحيحين، فجمهورهم على أنّ جميع أحاديث الصحيحين مقطوعة الصدور، ولا مجال للبحث عن
____________
(1) صحيح مسلم 4/1870 رقم 2404 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1398 هـ.
(2) صحيح مسلم 4/1871 رقم

الصفحة 19
أسانيد شيء من تلك الاحاديث، وللتأكّد من ذلك يمكنكم الرجوع إلى كتبهم في علوم الحديث، فراجعوا مثلاً كتاب تدريب الراوي في شرح تقريب النوّاوي للحافظ السيوطي، وبإمكانكم الرجوع إلى شروح ألفيّة الحديث كشرح ابن كثير وشرح زين الدين العراقي وغير ذلك، وحتّى لو راجعتم كتاب علوم الحديث لابي الصلاح لرأيتم هذا المعنى، ويزيد شاه ولي الله الدهلوي في كتاب حجة الله البالغة، وهو كتاب معتبر عندهم ويعتمدون عليه، يزيد الامر تأكيداً عندما يقول ـ وبعد أنْ يؤكّد على وقوع الاتفاق على هذا المعنى ـ يقول: اتفقوا على أنّ كلّ من يهوّن أمرهما [ أي أمر الصحيحين ]فهو مبتدعٌ متبع غير سبيل المؤمنين.
فظهر أنّ من يناقش في سند حديث المنزلة بحكم هذا الكلام الذي ادّعى عليه الاتفاق شاه ولي الله الدهلوي، كلّ من يناقش في سند حديث المنزلة فهو مبتدع متّبع غير سبيل المؤمنين.
وعندما تراجعون كتب الرجال، هناك اتفاق بينهم على قبول من أخرج له الشيخان، حتّى أنّ بعضهم قال: من أخرجا له فقد جاز القنطرة. بهذه العبارة !
ومن هنا نراهم متى ما أعيتهم السبل في ردّ حديث يتمسّك به الامامية على إثبات حقّهم أو على إبطال باطل، عندما أعيتهم

الصفحة 20
السبل عن الجواب يتذرّعون بعدم إخراج الشيخين لهذا الحديث، ويتّخذون عدم إخراجهما للحديث ذريعة للطعن في ذلك الحديث الذي ليس في صالحهم.
أذكر لكم مثالاً واحداً، وهو حديث: «ستفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة»، هذا الحديث بهذا اللفظ غير موجود في الصحيحين، لكنّه موجود في السنن الاربعة، يقول ابن تيميّة في مقام الردّ على هذا الحديث(1) : الحديث ليس في الصحيحين ولكن قد أورده أهل السنن ورووه في المسانيد كالامام أحمد وغيره. ومع ذلك لا يوافق على هذا الحديث متذرّعاً بعدم وجوده في الصحيحين.
إلاّ أنّ الملفت للنظر لكلّ باحث منصف، أنّهم في نفس الوقت الذي يؤكّدون على قطعيّة صدور أحاديث الصحيحين، ويتخذون إخراج الشيخين للحديث أو عدم إخراجهما للحديث دليلاً وذريعة ووسيلة لردّ حديث أو قبوله، في نفس الوقت إذا رأوا في الصحيحين حديثاً في صالح الاماميّة يخطّئونه ويردّونه وبكلّ جرأة.
____________
(1) منهاج السنة 3 / 456.

الصفحة 21
ولذا لو راجعتم إلى كتاب التحفة الاثنا عشرية(1) لوجدتم صاحب التحفة يبطل حديث هجر فاطمة الزهراء أبا بكر وأنّها لم تكلّمه إلى أن ماتت، يبطل هذا الحديث ويردّه مع وجوده في الصحيحين.
وينقل القسطلاني في إرشاد الساري في شرح البخاري(2) ، وأيضاً ابن حجر المكي في كتاب الصواعق(3) ، ينقلان عن البيهقي أنّه ضعّف حديث الزهري الدال على أنّ عليّاً (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر مدّة ستّة أشهر، فالبيهقي يضعّف هذا الحديث ويحكي غيره كالقسطلاني وابن حجر هذا التضعيف في كتابه، مع أنّ هذا الحديث موجود في الصحيحين.
وقد رأيتم أنّ الحافظ أبا الفرج ابن الجوزي الحنبلي أدرج حديث الثقلين في كتابه العلل المتناهية في الاحاديث الواهية، مع وجود حديث الثقلين في صحيح مسلم، ومن هنا اعترض عليه غير واحد.
فيظهر: أنّ القضيّة تدور مدار مصالحهم، فمتى ما رأوا الحديث
____________
(1) التحفة الاثنا عشرية: 278.
(2) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 6 / 363.
(3) الصواعق المحرقة: 90.

الصفحة 22
في صالحهم وأنّه ينفعهم في مذاهبهم، اعتمدوا عليه واستندوا إلى وجوده في الصحيحين، ومتى كان الحديث يضرّهم ويهدم أساساً من أُسس مذهبهم ومدرستهم، أبطلوا ذلك الحديث أو ضعّفوه مع وجوده في الصحيحين أو أحدهما، وهذا ليس بصحيح، وليس من دأب أهل العلم وأهل الفضل، وليس من دأب أصحاب الفكر وأصحاب العقيدة الذين يبنون فكرهم وعقيدتهم على أُسس متينة يلتزمون بها ويلتزمون بلوازمها.
وعندما نصل إلى محاولات القوم في ردّ حديث المنزلة أو المناقشة في سنده، سنرى أنّ عدّةً منهم يناقشون في سند هذا الحديث أو يضعّفونه بصراحة، مع وجوده في الصحيحين، فأين راحت قطعية صدور أحاديث الصحيحين ؟ وما المقصود من الاصرار على هذه القطعية ؟
ونحن أيضاً لا نعتقد بقطعيّة صدور أحاديث الصحيحين، ونحن أيضاً لا نعتقد بوجود كتاب صحيح من أوّله إلى آخره سوى القرآن الكريم.
لكن بحثنا معهم، وإنّما نتكلّم معهم على ضوء ما يقولون وعلى أساس ما به يصرّحون.
فإذا جاء دور البحث عن سند حديث المنزلة سترون أنّ عدّةً

الصفحة 23
منهم من علماء الاصول ومن علماء الكلام يناقشون في سند حديث المنزلة ولا يسلّمون بصحّته، فيظهر أنّه ليس هناك قاعدة يلجأون إليها دائماً ويلتزمون بها دائماً، وإنّما هي أهواء يرتّبونها بعنوان قواعد، يذكرونها بعنوان أُسس، فيطبّقونها متى ما شاؤا ويتركونها متى ما شاؤا.
ولا بأس بذكر عدة من ألفاظ حديث المنزلة في غير الصحيحين من الكتب المعروفة المشهورة، وفي كلّ لفظ أذكره توجد خصوصية أرجو أنْ لا تفوت عليكم، وأرجو أنْ تتأمّلوا فيها:
في الطبقات لابن سعد، يروي هذا الحديث بطرق، ومنها: بسنده عن سعيد بن المسيّب، هذا نفس الحديث الذي قرأناه في صحيح مسلم، فقارنوا بين لفظه في الطبقات ولفظه في صحيح مسلم يقول سعيد:
قلت لسعد بن مالك ـ هو سعد بن أبي وقّاص ـ: إنّي أُريد أنْ أسألك عن حديث، وأنا أهابك أنْ أسألك عنه ! قال: لا تفعل يا ابن أخي، إذا علمت أنّ عندي علماً فاسألني عنه ولا تهبني، فقلت: قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعلي حين خلّفه في المدينة في غزوة تبوك،

الصفحة 24
فجعل سعد يحدّثه الحديث(1) .
لماذا عندما يريدون أن يسألوا عن حديث يتعلّق بعلي وأهل البيت يهابون الصحابي أن يسألوه، أمّا إذا كان يتعلّق بغيرهم فيسألونه بكلّ انطلاق وبكلّ سهولة وبكلّ ارتياح ؟
ويروي محمّد بن سعد في الطبقات(2) باسناده عن البراء بن عازب وعن زيد بن أرقم قالا:
لمّا كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)لعلي بن أبي طالب: «إنّه لابدّ أنْ أُقيم أو تقيم».
يظهر أنّ في المدينة في تلك الظروف حوادث، وهناك محاولات أو مؤامرات سنقرأها في بعض الاحاديث الاتية، وكان لابدّ أنْ يبقى في المدينة إمّا رسول الله نفسه وإمّا علي ولا ثالث، أحدهما لابدّ أنْ يبقى، وأمّا الغزوة أيضاً فلابدّ وأنْ تتحقّق، فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: «إنّه لابدّ أنْ أُقيم أو تقيم»، فخلّفه.
فلمّا فَصَلَ رسول الله غازياً قال ناس ـ وفي بعض الالفاظ: قال ناس من قريش، وفي بعض الالفاظ: قال بعض المنافقين ـ: ما خلّفه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلاّ لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك عليّاً، فأتبع
____________
(1) طبقات ابن سعد 3/24 ـ دار صادر ـ بيروت ـ 1405 هـ.
(2) طبقات ابن سعد 3/24.

الصفحة 25
رسول الله حتّى انتهى إليه، فقال له: «ما جاء بك يا علي ؟» قال: لا يا رسول الله، إلاّ أنّي سمعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتني لشيء كرهته منّي، فتضاحك رسول الله وقال: «يا علي أما ترضى أن تكون منّي كهارون من موسى إلاّ أنّك لست بنبي ؟» قال: بلى يا رسول الله، قال: «فإنّه كذلك».
وفي رواية خصائص النسائي(1) قال الناس: قالوا ملّه، أي ملّ رسول الله عليّاً وكره صحبته.
وفي رواية: قال علي لرسول الله: زعمت قريش أنّك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني وكرهت صحبتي، وبكى علي، فنادى رسول الله في الناس: «ما منكم أحد إلاّ وله خاصة، يابن أبي طالب، أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ؟» قال علي: رضيت عن الله عزّوجلّ وعن رسوله.
وإذا راجعتم سيرة ابن سيّد الناس(2) ، وكذا سيرة ابن قيّم الجوزية(3) ، وسيرة ابن إسحاق(4) ، وأيضاً في بعض المصادر
____________
(1) الخصائص للنسائي: 67 رقم 44 و77 رقم61.
(2) عيون الاثر 2/294 ـ مكتبة دار التراث ـ المدينة المنوّرة ـ 1413 هـ.
(3) زاد المعاد 3/559 مـ 560 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1408 هـ.
(4) سيرة ابن هشام 2 / 519 ـ 520.

الصفحة 26
الاُخرى: إنّ الذين قالوا ذلك كانوا رجالاً من المنافقين، ففي بعض الالفاظ: الناس، وفي بعض الالفاظ: قريش، وفي بعض الالفاظ: المنافقون، ومن هنا يظهر أنّ في قريش أيضاً منافقين، وهذا مطلب مهم.
وفي المعجم الاوسط للطبراني عن علي (عليه السلام): إنّ النبي قال له: «خلّفتك أنْ تكون خليفتي»، قلت: أتخلّف عنك يا رسول الله ؟ قال: «ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»(1) .
ففيه: «خلّفتك أنْ تكون خليفتي».
وروى السيوطي في جامعه الكبير(2) عن كتب جمع منهم: ابن النجار البغدادي، وأبو بكر الشيرازي في الالقاب، والحاكم النيسابوري في كتابه الكنى، والحسن بن بدر ـ الذي هو من كبار الحفّاظ ـ في كتابه ما رواه الخلفاء، هؤلاء يروون عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطّاب: كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب [ لماذا كانوا يذكرون عليّاً وبم كانوا يذكرونه ؟ حتّى نهاهم عمر عن ذكره ؟ أكانوا يذكرونه بالخير وينهاهم ؟ قائلاً: كفّوا عن ذكر علي بن أبي
____________
(1) المعجم الاوسط 4/484 رقم 4248.
(2) الجامع الكبير 16/244 رقم 7818 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1414 هـ.

الصفحة 27
طالب ] فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول في علي ثلاث خصال لو كان لي واحدة منهنّ كان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس.
كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح [ هؤلاء الثلاثة هم أصحاب السقيفة من المهاجرين ] ونفر من أصحاب النبي، وهو متّكىء [ أي النبي ] على علي بن أبي طالب، حتّى ضرب بيده على منكبيه ثمّ قال: «يا علي أنت أوّل المؤمنين إيماناً وأوّلهم إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك».
وفي تاريخ ابن كثير(1) : «أو ما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة».
وفرق بين عبارة «إلاّ النبوّة» وبين عبارة «إلاّ أنّك لست بنبي» و «إلاّ أنّه لا نبي بعدي» فرق كثير بين العبارتين، يقول ابن كثير: إسناده صحيح ولم يخرجوه.
وفي تاريخ ابن كثير أيضاً(2) في حديث معاوية وسعد: إنّ معاوية وقع في علي فشتمه [ بنصّ العبارة ] فقال سعد: والله لانْ تكون لي إحدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ ممّا يكون لي ما طلعت
____________
(1) البداية والنهاية المجلد الرابع الجزء 7/340 ـ دار الفكر ـ بيروت.
(2) البداية والنهاية المجلد الرابع الجزء 7/340.

الصفحة 28
عليه الشمس...، فيذكر منها حديث المنزلة.
إلاّ أن الزرندي الحافظ يذكر نفس الحديث يقول: عن سعد: إنّ بعض الاُمراء قال له: ما منعك أنْ تسبّ أبا تراب(1) .
فأراد أنْ لا يذكر اسم معاوية محاولةً لحفظ ماء وجهه وماء وجههم.
وفي تاريخ دمشق والصواعق المحرقة وغيرهما: إنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عنها عليّاً فهو أعلم، قال الرجل: جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب علي، قال معاوية: بئس ما قلت، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه(2) .
وتلاحظون أنّ في كلّ لفظ من هذه الالفاظ التي انتخبتها خصوصية، لابدّ من النظر إليها بعين الدقّة والاعتبار.
وانتهت الجهة الاُولى، أي جهة البحث عن السند والرواة.
____________
(1) نظم درر السمطين: 107.
(2) ترجمة الامام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/396 رقم 410، الرياض النضرة 3/162 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت، مناقب الامام علي (عليه السلام) للمغازلي: 34 رقم 52 ـ دار الاضواء بيروت ـ 1403.

الصفحة 29
دلالات حديث المنزلة
الجهة الثانية: في دلالات حديث المنزلة، وكما أشرنا من قبل، دلالات حديث المنزلة متعددة، وكلّ واحدة منها تكفي لان تكون بوحدها دليلاً على إمامة أمير المؤمنين.
قبل كلّ شيء لابدّ أنْ نرى ما هي منازل هارون من موسى حتّى يكون علي نازلاً من النبي منزلة هارون من موسى، لنرجع إلى القرآن الكريم ونستفيد من الايات المباركات منازل لهارون:
المنزلة الاُولى: النبوّة
قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً)(1) .
____________
(1) سورة مريم: 53.

الصفحة 30
المنزلة الثانية: الوزارة
قال تعالى عن لسان موسى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي)(1) ، وفي سورة الفرقان قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً)(2) ، وفي سورة القصص عن لسان موسى: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي)(3) .
المنزلة الثالثة: الخلافة
قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى لاَِخِيه هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(4) .
المنزلة الرابعة: القرابة القريبة
قال تعالى عن لسان موسى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُد بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)(5) .
____________
(1) سورة طه: 29.
(2) سورة الفرقان: 35.
(3) سورة القصص: 34.
(4) سورة الاعراف: 142.
(5) سورة طه: 31.

الصفحة 31
ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبر في حديث المنزلة عن ثبوت جميع هذه المنازل القرآنية لهارون وغيرها كما سنقرأ، عن ثبوتها جميعاً لعلي ما عدا النبوة، لقد أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)النبوة بعد شمول تلك الكلمة التي أطلقها، هي تشمل النبوة إلاّ أنّه أخرجها واستثناها استثناءً، لقيام الضرورة على أنْ لا نبي بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويبقى غير هذه المنزلة باقياً وثابتاً لعلي (عليه السلام)، وبيان ذلك:
إنّ عليّاً (عليه السلام) وإنْ لم يكن بنبي، وهذا هو الفارق الوحيد بينه وبين هارون في المراتب والمقامات والمنازل المعنوية الثابتة لهارون، وإنْ لم يكن بنبي، إلاّ أنّه (عليه السلام) يعرّف نفسه ويذكر بعض خصائصه وأوصافه في الخطبة القاصعة، نقرأ في نهج البلاغة يقول (عليه السلام):
«ولقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يَضمّني إلى صدره ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة بقول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالَم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم

الصفحة 32
من أخلاقه عَلَما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما».
لاحظوا هذه الكلمة: «أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته».
ثمّ لاحظوا ماذا يقول الرسول لعلي: «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلاّ أنّك لست بنبي ولكنّك وزير، وإنّك لعلى خير»(1) .
أرجو الانتباه إلى ما أقول، لتروا كيف تتطابق الايات القرآنيّة والاحاديث النبويّة وكلام علي في الخطبة القاصعة، إنّ عليّاً وإنْ لم يكن بنبي لكنّه رأى نور الوحي والرسالة وشمّ ريح النبوّة.
أترون أنّ هذا المقام وهذه المنزلة تعادلها منازل جميع الصحابة من أوّلهم إلى آخرهم في المنازل الثابتة لهم ؟ تلك المنازل لو وضعت في كفّة ميزان، ووضعت هذه المنزلة في كفّة، أترون أنّ تلك المنازل كلّها وتلك المناقب، تعادل هذه المنقبة الواحدة ؟
____________
(1) نهج البلاغة 2/182 ـ مطبعة الاستقامة بمصر (محمّد عبده).

الصفحة 33
فكيف وأنْ يُدّعى أنّ شيئاً من تلك المناقب المزعومة يترجّح على هذه المنقبة ؟
علي لم يكن بنبي، لكنّه شمّ ريح النبوّة، لكنْ ما معنى هذه الكلمة بالدقّة، لا نتوصّل إلى معناها، وعقولنا قاصرة عن درك هذه الحقيقة، لم يكن بنبي إلاّ أنّه شمّ ريح النبوّة، وأيضاً: لم يكن علي نبيّاً إلاّ أنّه كان وزيراً، لمن ؟ لرسول الله الذي هو أشرف الانبياء وخير المرسلين وأكرمهم وأعظمهم وأقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، وأين هذه المرتبة من مرتبة هارون بالنسبة إلى موسى الذي طلب أن يكون هارون وزيراً له، إلاّ أنّ كلامنا الان في دوران الامر بين علي وأبي بكر.
ومن الاحاديث الشاهدة بوزارة علي (عليه السلام) لرسول الله، الحديث الذي ذكرناه في يوم الدار، يوم الانذار، حيث قال: «فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ؟» قال علي: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فقال: «إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»(1) .
وفي رواية الحلبي في سيرته: «إجلس، فأنت أخي ووزيري
____________
(1) تفسير البغوي 4 / 278، ومصادر أُخرى.

الصفحة 34
ووصيّي ووارثي وخليفتي من بعدي»(1) .
وفي تاريخ دمشق، وفي المرقاة، وفي الدر المنثور، وفي الرياض النضرة، يروون عن ابن مردويه وعن ابن عساكر وعن الخطيب البغدادي وغيرهم، عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى: اللهمّ اجعل لي وزيراً من أهلي أخي عليّاً، اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبّحك كثيراً ونذكرك كثيراً، إنّك كنت بنا بصيراً»(2) .
وأيضاً، هذه دلالات حديث المنزلة، لاحظوا كيف تتطابق الايات والروايات وكلام علي بالذات ؟
إنّ لعلي (عليه السلام) موضعاً من رسول الله يقول: «قد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة»، هذه القرابة القريبة في قصّة موسى وهارون قول موسى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي) ، ومن هنا سيأتي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ذكر حديث المنزلة في قصة المؤاخاة بينه وبين علي عليهما الصلاة والسلام.
____________
(1) السيرة الحلبيّة 1 / 461.
(2) ترجمة الامام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق 1/120 ـ 121 رقم 147، الدر المنثور 5/566 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1403 هـ، الرياض النضرة 3/118 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

الصفحة 35
مضافاً إلى قوله تعالى: (وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ)(1) .
فإنّ الاوصاف الثلاثة هذه ـ أي الايمان والهجرة وكونه ذا رحم ـ لا تنطبق إلاّ على علي، فيظهر أنّ القرابة القريبة هي جزء من مقوّمات الخلافة والولاية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد ذكر الفخر الرازي بتفسير الاية المذكورة استدلال محمّد ابن عبدالله بن الحسن بن الحسن المجتبى (عليه السلام) بالاية المباركة هذه، في كتاب له إلى المنصور العباسي، استدلّ بهذه الاية على ثبوت الاولوية لعلي، وأجابه المنصور بأنّ العباس أولى بالنبي من علي، لانّه عمّه وعلي ابن عمّه، ووافق الفخر الرازي الذي ليس من العباسيين، وافق العباسيين في دعواهم هذه، لا حبّاً للعباسيين، وإنّما ؟
والفخر الرازي نفسه يعلم بأنّ العباس عمّ النبي، ولكن العباس ليس من المهاجرين، إذ لا هجرة بعد الفتح، فكان علي هو المؤمن المهاجر ذا الرحم، ولو فرضنا أنّ في الصحابة غير علي من هو مؤمن ومهاجر، والانصاف وجود كثيرين منهم كذلك، إلاّ أنّهم لم
____________
(1) سورة الاحزاب: 6.

الصفحة 36
يكونوا بذي رحم، ويبقى العباس وقد عرفتم أنّه ليس من المهاجرين، فلا تنطبق الاية إلاّ على علي.
وهذا وجه استدلال محمّد بن عبدالله بن الحسن في كتابه إلى المنصور، وقد كان الرجل عالماً فاضلاً عارفاً بالقرآن الكريم، والفخر الرازي في هذا الموضع يوافق العباسيين و المنصور العباسي، ويخالف الهاشميين والعلويين حتّى لا يمكن ـ بزعمه ـ الاستدلال بالاية على إمامة علي أمير المؤمنين.
فقوله تعالى: (وَأُولُوا الاَْرْحَامِ) دليل آخر على إمامة علي، ومن هنا يظهر: أنّ استدلال علي (عليه السلام) وذكره القرابة القريبة كانت إشارة إلى ما في هذه الناحية من الدخل في مسألة الامامة والولاية.
مضافاً إلى أنّ العباس قد بايع عليّاً (عليه السلام) في الغدير وبقي على بيعته تلك، ولم يبايع غير أمير المؤمنين، بل في قضايا السقيفة جاء إلى علي، وطلب منه تجديد البيعة، فيسقط العباس عن الاستحقاق للامامة والخلافة بعد رسول الله، ولو تتذكرون، ذكرت لكم في الليلة الاُولى أنّ هناك قولاً بإمامة العباس، لكنّه قول لا يستحق الذكر والبحث عنه عديم الجدوى.

الصفحة 37
ومن منازل هارون
أعلميّته بعد موسى من جميع بني إسرائيل ومن كلّ تلك الاُمّة، وقد ثبتت المنزلة هذه بمقتضى تنزيل علي منه بمنزلة هارون من موسى لامير المؤمنين (عليه السلام)، وإلى الاعلميّة هذه يشير علي (عليه السلام) في الاوصاف التي ذكرها لنفسه في هذه الخطبة وفي غير هذه الخطبة.
في هذه الخطبة يقول: «كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به».
ويقول (عليه السلام) في خطبة أُخرى بعد أنْ يذكر العلم بالغيب يقول: «فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ الله، وما سوى ذلك [ أي ما سوى ما اختصّ به سبحانه وتعالى لنفسه ] فعلم علّمه الله نبيّه، فعلّمنيه ودعا لي بأنْ يعيه صدري وتضْطَمّ عليه جوانحي».
وأيضاً: تظهر أعلميّته (عليه السلام)من قوله في نفس هذه الخطبة عن رسول الله حيث خاطبه بقوله: «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى».
وأيضاً: رسول الله يقول في علي: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها».
هذا الحديث هو الاخر من الاحاديث الدالة على إمامة أمير

الصفحة 38
المؤمنين سلام الله عليه، وكان ينبغي أن نخصّص ليلة للبحث عن هذا الحديث الشريف، لنتعرّض هناك عن أسانيده ودلالاته، ولنتعرّض أيضاً لمحاولات القوم في ردّه وإبطاله، وما ارتكبوه من الكذب والدسّ والتزوير والتحريف.
أمّا ثبوت الاعلميّة لهارون بعد موسى، فلو أردتم، فراجعوا التفاسير في قوله تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أُوْتِيتُهُ عَلَى عِلْم عِنْدِي)(1) عن لسان قارون، في ذيل هذه الاية، تجدون التصريح بأعلميّة هارون من جميع بني إسرائيل إلاّ موسى، فراجعوا تفسيرالبغوي(2) ، وراجعوا تفسير الجلالين(3) ، وغير هذين من التفاسير.
من دلالات حديث المنزلة العصمة
وهل من شك في ثبوت العصمة لهارون ؟ وقد نزّل رسول الله أمير المؤمنين منزلة هارون، ولم يدّع أحد من الصحابة العصمة، كما لم يدّعها أحد لواحد من الصحابة، سوى أمير المؤمنين (عليه السلام).
____________
(1) سورة القصص: 78.
(2) تفسير البغوي 4/357 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1405 هـ.
(3) تفسير الجلالين 2/201 ـ نشر مصطفى البابي الحلبي بمصر ـ 1388 هـ.

الصفحة 39
وحينئذ هل يجوّز عاقل أن يكون الامام بعد رسول الله غير معصوم مع وجود المعصوم ؟
وهل يجوّز العقل أنْ يجعل غير المعصوم واسطة بين الخلق والخالق مع وجودالمعصوم ؟
وهل يجوز عقلاً وعقلاءاً الاقتداء بغير المعصوم مع وجود المعصوم ؟
وإلى مقام العصمة يشير علي (عليه السلام) عندما يقول ويصرّح بأنّه كان يرى نور الوحي والرسالة ويشمّ ريح النبوة.
وهل يعقل أن يترك مثل هذا الشخص ويقتدى بمن ليس له أقلّ قليل من هذه المنزلة ؟
ولا يخفى عليكم أنّ الذي كان يسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّ الذي كان يراه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو أسمى وأجلّ وأرقى وأرفع ممّا كان يراه ويسمعه غيره من الانبياء السابقين عليه، فكان علي يسمع ويرى ما يسمع ويرى النبي، وعليكم بالتأمّل التام في هذا الكلام.
من خصائص هارون ومنازله
أنّ الله سبحانه وتعالى أحلّ له ما لم يكن حلالاً لغيره في المسجد الاقصى، وبحكم حديث المنزلة يتمّ هذا الامر لعلي وأهل

الصفحة 40
بيته بالخصوص، ويكون هذا من جملة ما يختصّ بأمير المؤمنين